كتاب الانتصار للقرآن للباقلاني (اسم الجزء: 1)

بمعنىً واحد، والدليل على صحةِ هذا التأويل أن الحروفَ في اللغة إنّما
تستعملُ في الأصل في أحد شيئين:
أحدهما: طرَفُ الشيء وشفيرُه وحاشيتُه، ومنه قولُهم: حرفُ الطريقِ
وحرفُ الوادي وحرفُ الإجانة وحرفُ الرغيف، وكذلك قولُهم في حرفِ
الدرهمِ والدينارِ وطرفِ كل جسمٍ وشفيرِه وحاشيتِه وهذا مما لا خلاف فيه.
ويستعمَلُ أيضا في المثال المقطوع من حروفِ المعجمِ التي فيها الألفُ
والباءُ والتاءُ وغير ذلك، وتستعملُ أَيضا في الكلمةِ التامةِ التي هي حروف
كثيرة مجتمعة وذلك ظاهر بينهم معروف في الاستعمال، وذلك أنهم يقولون
ما سُمع عن زيد في هذا الباب حرف ولا تكلمَ فيه بحرف ولا به في هذا
العلمِ من الكلامِ حرف واحد، وما ذكر فلانٌ من خَبَره، وما سُئلَ عنه حرفا
ألبتة، وقد نغّم فلانٌ في هذه القصة بحرفِ سوء.
وقد عُرفَ أنّهم لا يعنون بذكر الحرفِ في جميع هذا الكلام عنه حرفٌ
واحدٌ مقطوعٌ أنّه لم يُسمع ممن نقلَ الكلامُ عنه، حرف واحدٌ مقطوعٌ من أل
أو يا، أو واو، ولأنّ الحرفَ الواحدَ لا يصِحُّ التكلم به فيُسمع أو لا يُسمع، وكذلك إذا قالوا ما نَطقَ ولا تكلَّم بحرفٍ واحد، فإنهم إنَّما يَعنونَ أنه ما
تكلّم بكلمةٍ ولا أورد نقطة، لأن الحرفَ الواحدَ المنقطعَ لا يكون قولاً ولا
كلاما فلا يصح أن يُنفى التكلمُ به أو يثبت، وكذلك إذا قيل: ما صنفَ فلانُ ولا تكلمَ في هذا العلمِ بحرف، فليس يعني بذلك إلاّ نفيَ كلامِه فيه، ولا يعني أنه لم يوردْ فيه ألفا أو واواً.
وكذلك إذا قالوا: ما تكلّمَ فلانٌ من خَبر فلان بحرف، إنّما يعنون أنه لم
يتكلم بكلمةٍ هي خَبرٌ عن بعضِ أمورِه، لأن الكلّ قد أطبقوا على أن الحرفَ

الصفحة 373