كتاب الانتصار للقرآن للباقلاني (اسم الجزء: 1)

وهو راوي الخبر: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعثَ حَراما زوجَ أمَ سُلَيم في سبعين رجلاً - وذكرَ قصتهم - وقال: فأنزِلَ علينا وكان مما نقرأ فنُسِخ: (أنْ بَلغوا قومَنا أنا لَقِينا ربَّنا فرَضِيَ عنا وأرضانا) ، وليس يجبُ على الأمَّةِ حفظُ ما نُسِخَ من القرآنِ وضبطُه وإلحاقُه بما ثبتَ منه وخلطُه به، ولا سيما إذا لم يكن مما وردَ في حكمِ ثابتِ أو زائلِ يَهُتمُ الناسُ بمعرفةِ تاريخِه وسببه، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ أيضا التعلُقُ بهذه القصة، وقد قال اللهُ سبحانه: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) .
فنصَّ على أنه ينسخُ الآية َ ويُزيلها، وقد ينسخُ التلاوةَ ويُبقي الحكمَ، ويَنسخُ الحكمَ وتبقى التلاوةُ، وربما نُسخا جميعا.
وقد ذَكر قوم أنّ المرادَ بقوله: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) أي: نرفَعْها أو
ننسِها، أي: نأمر بتركِ العملِ بها إلا أتينا بمثلِها أو خيرِ منها لكم أن نأتيَ
بعبادةِ مثلِ التي تُرِكَت، ويكون الثواب على الاَتي أكثر، أو بأن يكونَ
عملُ الناسخِ أخف والثوابُ متساوي، فيكون ذلك خيرا لكم.
وقيل أيضا في معنى: (نُنْسِهَا) أن اللهَ جلً ذكرُه كان إذا أراد نسخَ الآية ِ
أذهبَ بحفظِها عن قلوبِ جميعِ الحافظين للآية، فإذا أصبحوا عرضوا ذلك
على الرسول وسألوا عنها فأخبرَهم أن الله قد نسخَها ورفعَ تلاوتَها، وهذا

الصفحة 410