كتاب تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة (اسم الجزء: 1)

بالحديث، سمع الحديث من أبي الفضل الهَرَوِىَّ الحافظ، وأخذ عنه علم الحديث، وأبي زكريا يحيى بن عمار السِّجْزِي الحنبلي، وأخذ عنه علم التفسير، ورحل إلى نَيْسَابور، وسمع من أصحاب أبي العبَّاس الأصَمَّ، وغيره. وروى عنه خلقٌ كثير، منهم: المؤتمن السَّاجي، وابن طَاهر المقدسِيّ، وحنبل بن علي البخاري، وأبو الوقت السِّجْزِي، وغيرهم. وكان سيفًا مسلولًا على المُخَالفين، وجِذْعًا في أعين المتكلِّمين. وقد امتُحِنَ غيرَ مرَّة. قال عبد الغافر الفارسِيُّ: كان على حظٍّ وافر من معرفة العربية والحديث، والتَّواريخ والأنساب، إمامًا في ذلك كلّه، كاملًا في التفسير، حسن السِّيرة في التَّصوُّف، غير مشتغل بكسب. توفي سنة إحدى وثمانين وأربع مئة. انتهى.
وذكره ابن العماد (¬1)، وابن رجب (¬2)، وقال ابن رجب: سمع بِطَرَسُوس وبِسْطَام من خلق يطول ذكرهم، وصحب الشيوخ وتأدَّب بهم. وخرَّج الأمالي، والفوائد الكثيرة لنفسه من شيوخ الرواة، وأملى الحديث سنين. وكان سيِّدًا عظيمًا، وإمامًا عالمًا، عارفًا، وعابدًا زاهدًا، ذا أحوال ومقامات، وكرامات ومجاهدات، كثير السَّهر بالليل، شديد القيام في نصر السنّة، والذَّبَّ عنها، والقمع لمن خالفها، وجرى له بسبب ذلك محنٌ عظيمة. وكان شديدَ الانتصار لمذهب أحمد، والتعظيم له. وكان يقول: مذهبُ أحمدَ أحمدُ مَذْهَب. وكان يقول: عُرِضْتُ على السَّيف خمس مرَّات، لا يُقال لي: ارجع عن مذهبك، ولكن يقال لي، اسكت عمَّن خالفك، فأقول: لا أسكت. وكان يقول: إذا ذكَرْتُ التفسير، فإنَّما أذكره من مئة وسبعة تفاسير. وقال أيضًا: أنا أحفظ اثنَيْ عشر ألف حديث، أسردها سردًا، وما ذُكِرَ قطُّ في مجلسه حديثٌ إلّا بإسناده، وكان يشير إلى صحَّته وسقمه. وسُئِلَ عن تفسير آية، فأنشد أربع مئة بيت من شعر الجاهلية، في كل بيت منها لغة تلك الآية. انتهى، ملخّصًا من ترجمة طويلة.
وله تصانيف، ذكر النابلسي منها: كتاب "الفاروق في الصِّفات"، وكتاب
¬__________
(¬1) شذرات الذهب: 3/ 365 - 366.
(¬2) ذيل طبقات الحنابلة: 1/ 50.

الصفحة 498