كتاب تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة (اسم الجزء: 1)

والفائدةُ عندهم غاليةٌ، لا يعتريهم سأم التطويل، ولا يكتفون عن الكثير بالقليل؛ فتجد أحدَهم إذا ذكر الرجل أطنب، وأوردَ في ترجمته ما له وما عليه، وما قال وما قيل فيه، وفتاواه ومجالس وعظه، وما جرى له مع أقرانه وملوك عصره وأهل زمانه، وكراماته المنسوبة إليه، وما إلى ذلك من التطويل الذي لا يميل إليه طبع أهل عصرنا هذا ولا يرغبونه، أوْ ليس محله التراجم، بل كل قسم منه يدخل في فن من العلوم.
فلعلي بجمعي هذا المختصر قمت بواجب كبير، وخدمتُ أهلَ عصرنا هذا من أهل مذهبنا وغيرهم ممن أراد الوقوف على حقيقة أهل هذا المذهب، فإني اختصرتُ التراجم اختصارًا ملائمًا لعصرنا هذا: من ذكر الرجل، ونسبه، وكُنيته، ولقبه الذي يُعْرف به، وولادته ووفاته، وشيء من سيرته، ومصنَّفاته، وتلامذته، ووطنه، وما إلى ذلك مما تمسُّ الحاجة إلى معرفته.
وتركت ما لا تمس إلى ذكره حاجة الباحث، تاركًا ذلك للكتب المصنَّفة في هذا الباب قبلي، وقد كنتُ من زمن طويل أستخيرُ اللهَ في جمعه، وأُقدِّم رِجْلًا وأؤخر أخرى؛ فإن هذا بحر تَيَّار، لا يدركُ العومَ فيه إلا العلماءُ الأخيار، والفضلاء الأحبار، لا سيَّما وهناك عوائق تمنعني من ذلك أيضًا:
أولًا: قِصَر باعي وقلة اطلاعي.
ثانيًا: أني في وقت تأليفه كنت مجاورًا بمكة المكرمة غريبًا نائيًا عن الوطن، ويتعذر عليَّ وجود آلة الكتب التي هي الركن الأوَّل لتأليف هذا الكتاب.
ثالثًا: تشتت البال من هَمَّ العيال، وكسب المعيشة التي هيجت أليم البَلْبَال.
وكنت برهة من الزمن أتمنى لو تصدَّر وتصدَّى لهذا الأمر غيري ممَّن له الكفاءة من أهل هذا الشأن، وأن لا أدخل نفسي في هذا الميدان؛ لأن من ألَّف فقد استُهْدِفَ، ولكنِّي لم أجد مَن فعلَه حتى الآن، فقلت: ما لا يُدْرَكُ كُلُّه لا يُتْرَكُ جُلُّهُ، فتقدمتُ إلى جمعه وتسطيره، وتحقيقه وتحريره، مقدِّمًا أقصى اعتذاري؛ والعذر مقبول لدى الأخيارِ، مبتدئًا بترجمة الإِمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ملخصًا لها من ترجمته لأبي الفرج ابن الجوزي الذي أفردها بالتأليف، وجعل ذلك في مئة باب، ولعلي

الصفحة 6