كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

10…معيشتهم، بأنه مصائر خزي وبؤس فقال الله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) (1) ويقول: (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مسكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين) (2).
ومما يلفت النظر أن مجتمعات اليوم قد أخذت بحظ وافر من الحرص على المادة والإستكثار منها والتنافس فيها.
وأيام الناس المتقلبة تشهد على أن كل هذا عرض زائل ورعاية مستردة، وأن بعضه مطلوب في الحياة ليكون وسيلة يستعان بها لقضاء الحوائج وتيسير الأمور ونوال المقاصد النبيلة، وليس في شكل من الأشكال غرضاً مقصوداً لذاته أبداً.
بل إن الله تعالى قد لفت نظرنا على ألسنة رسله الذين أرسلهم للناس على مدى الدهر إلى هذا المعنى وقال في الكتاب الكريم:
(إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم) (3) وقال أيضاً: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيب أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (4).
وفي هاتين الآيتين توجيه أيما توجيه إلى أن السعي الدنيوي سعيان، أحدهما في عرض يعسعس بعسعسة الدنيا وينتهي بانتهاء الحاجة إليه، والآخر فيما يؤهل للفوز في الحياة الأخرى وبر وعمل صالح.
وهو الذي يبقى. وهو الذي تجتنى ثماره…
__________
(1) الإسراء/ 16.
(2) القصص/58.
(3) محمد/ 36.
(4) الحديد/20.

الصفحة 10