11…وطيباته، ويكتسب فضله يوم الدين (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) (1).
بل إن التوجيه الرباني في معظمه في الأمر والنهي وسرد القصص ورواية أخبار الأولين والغابرين، إنما كان ليضع بين يدي الإنسان ما يبصره بحقائق الأشياء ومقاصدها، وليحمله على التوسط والإعتدال وسلوك طريق النبيين والصديقين والصالحين، والحذر من الإنجراف في متاهات الدنيا ومغريات العيش الخالية يقول الله تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان جديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (2) ويقول: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون) (3).
وإن الدار الآخرة وما أعده الله فيها لعباده من المتقين والفجار غيب لا يحس به الإنسان في نهاره أو ليله ولا في سعيه وجموده، بل إنه على العكس يشعر بما حوله مما تقع عليه حواسه من مفاتن الدنيا ومغرياتها ومباهجها المفيد منها أو الضار، دويقع هو تحت وطأة تأثيرها سلباً وإيجاباً في كل لحظة من عمره، ويتكون من ثمرته سعيه المشكور أو المذموم وسجله المشرق أو المظلم.
ولذلك كان لا بد أبداً من التذكير باليوم الآخر وما يكون في من حساب وجزاء، ليعي قلب الإنسان ويستقيم سلوكه ويحسن تصرفه وعمله ويقل زلله وخطؤه، وكان لا بد لهذا الإنسان كفرد أو جماعة أو أمة أو دولة من الإندماج في الحياة برفق والأخذ منها والترك بحذر ووعي شديدين، معتمداً في ذلك على القول المأثور: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".
ولقد كانت في التاريخ للإسلام تجربة حكم رائدة أنشأت المجتمع الفاضل…
__________
(1) الشعراء/88 - 89.
(2) يوسف/111.
(3) يوسف/109.