كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

277…تحديد انتماءاته، كما كان شأنه من قبل في جاهليته فينتمي للجماعة متى يشاء وينفك عنها حين يحلو له وتبعاً لمصالحه وأهوائه.
لقد أصبح يعيش في مجتمع جديد ذي أهداف وحدود وأنظمة، وآل هو فيه كائناً حياً وركناً هاماً لأنه يشكل جزءاً أساسياً فيه.
وإن أي إحسان يؤديه ينعكس على كامل الجسم كما أن أية إساءة تقع منه تصبب بضررها ايضاً الجسم كله ..
ولذلك فقد اصبح مفروضاً عليه الإلتزام بكل ما تلتزم به جماعته، ومجافاة كل ما تجافيه.
بل وأصبح حتى هواه تبعاً لهوى الجماعة، ومصالحه كلها مرتبطة بصالحها، لأن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً ابقى.
ولأن يد الله على الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ....
بل إن أي إخلال يقع منه فينعكس سوءاً على مصلحة عامة يحاسب عليه في الدنيا من الإمام الذي يقدر له عقوبته ونوعها، ما لم يكن هذا الإخلال يصيب حداً من حدود الله التي جاءت النصوص بتحديد عقوبتها.
وسواء كان هذها الإخلال نتيجة عمل جنائي أو حقوقي أو مالي أواجتماعي إنساني، ذلك لأن من أبرز ما اختصت به الشريعة الإسلامية كونها ذات مقاصد شرعية، فهي شريعة إيمانية تهدف إلى تنفيذ ما أمر به الله، ومنع ما نهى عنه، وعلى أن يكون أساس التعامل بين الناس إقامة المصالح الشرعية بجلب المنافع لهم ودرء المفاسد عنهم.
ومن أجل هذا فإن المفروض في مقصود التاجر ممن تجارته ألا يحقق الربح لنفسه فحسب، بل أن يحقق قبل ذلك جلب المصالح للعامة بتقريب السلع لطالبيها حفظاً لضروراتهم ورفعاً للمشقة عنهم وتيسيراً لشؤونهم المعاشية.
ومن هنا فإن نفعة لنفسه يكون فرعاً من قصده لتحقيق النفع العام، وتكون المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة في حال تعارضهما.

الصفحة 277