كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

293…
فضل هذه السياسة:
وتعد من آثار فضل هذه السياسة والتوجيه الحكيم في الصحابة الكرام أنها عززت فيهم تقدير الذات والثقة بقدراتها وطاقاتها، وعلمتهم وجوب الاعتماد على كفاءاتها، بل إنها مكنت لهم ليكون لهم جهد إبداعي يرتكز إلى ما وضعه الله ورسوله بين أيديهم من هدى ونور وعلم وحمة.
وقد شجعهم من حين لآخر ليكون لهم اجتهاد حكيم ورأي سديد، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعين بهم له من مشورة تبتعث فيهم أماني الاحترام للذات.
ولم لا، فإن رسول الله، رغم كل ما كان يحبوه به الله من وحي ورعاية وعصمة وعطاء لدني، كان رجلاً منهم.
وهو يؤكد لهم ذلك في أكثر من مناسبة، وإذن فإن من حقهم أن يكون لهم سهم في بناء المجتمع الإسلامي، وإقامة صرح الكيان الإسلامي الكبير ...
الشورى وآثارها:
ولقد كان للشورى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمارسها في قيادته الجماعة فضل كبير أيضاً، وإن كانت ظاهرة من مظاهر سياسة الرسول الحكيمة للأمة المسلمة.
وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يركز على تعميقها في نفوسهم ويؤصل معانيها وأهدافها فيهم، ليجنوا منها الثمار اليانعة في حياتهم الخاصة والعامة في أيامهم المقبلة، حتى كانت الشورى أحد الأسس السياسية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد أسس الحكم في الإسلام التي يطلب إلى كل مسلم اعتمادها وإيلاءها ما تستحق من الرعاية والاهتمام.
يقول الله تعالى في بعض آيات التوجيه الحكيم:
(فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. والذين…

الصفحة 293