كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

294…يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (1) وفيها يرسم للمسلمين بعض أصول التعامل التي يفرض عليهم اعتمادها في معاشهم ومخالطتهم الآخرين ليضمنوا نجاح مرادهم وتحقيق مقاصدهم وآمالهم ورغائبهم، وفي مقدمتها اعتماد مبدأ الشورى.
ثم يقول في آية أخرى:
(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).
ولئن كانت الآية الأولى قد أبرزت المشورة على أنها صفةمن صفات المؤمنين حتى يأمنوا الزلل ويضمنوا الفوز في العمل، ولم تزد على ذلك، فإن الآية الثانية قد جعلتها واجبة حيث ساقت عبارتها بصيغة الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لكل من يأتي بعده فيلي أمراً من أمور المسلمين، فهي واجبة على الولاة وعلى قادة الجيوش، وعل كل مسؤول في مختلف ميادين العمل الإسلامي، يستشيرون بموجبها أهل العلم والاختصاص والخبرة والفكر القادرين على النفع والإفادة ليأتي قرارهم أو موقفهم رشيداً وحميداً.
أمثلة من استشاراتالرسول:
ولقد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم اصحابه يوم بدر وقبل قراره بملاقاة جيش قريش وقال لهم بصريح العبارة يومذاك:
" أشيروا عليً أيها الناس:
وأخذ برأي الحباب بن المنذر (3) فنزل بأدنى ماء من القوم وغور ما وراءه…
__________
(1) الشورى / 36 - 38.
(2) آل عمران / 159.
(3) تهذيب سيرةابن هشام لعبد السلام هارون /156.

الصفحة 294