كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

303…وقوله:
(قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين) (1).
ومن يكن مثل هذه الآيات شعاراً له وقاعدة لسلوكه ومنطلقه في الحياة، لا يمكن في شكل من الأشكال أن يكون من نهجه القتل وسفك الدماء والبغي والعدوان.
أما الدفاع عن النفس والتصدي لدفع الظلم، فإنهما أمران مشروعان ومطلوبان شرعاً وقانوناً وإنسانية، وإلا ينتشر في الحياة البغي والفساد في الأرض ويكثر العدوان والعبث وتفشو الفوضى وهو ما لا يرضى به إنسان ولا تقره شريعة ...
لقد كان الله في مجتمع المدينة قبلة كل قلب وبصيرة في كل قول أو عمل أو تعامل أو تشريع، ولذلك فقد اهتدى وتآلف ونعم بظلال الأخوة بعد أن هام طويلاً في سهوب العداوة والخصام.
فضل الإيمان على المجتمع:
وبفضل الإيمان بالله استرد مجتمع المدينة حريته التي كان قد هدرها الشرك قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، على أقدام الأوثان.
واسترد كل فرد فيه حريته الشخصية في الاعتقاد والتفكير والقول والسلوك في حدود العقيدة التي آمن بها، والأنظمة التي ارتبط بها.
فاستوى فيه كل الناس أمام الله وأمام الشرع، واستووا في حقهم في المشاركة في بناء المجتمع، وإيجاد مؤسساته ووضع أنظمته، وتحمل مسؤوليات الدفاع عنه.
فظهر فيه عاديو الناس ونبغوا إلى جانب كبرائهم واشرافهم، فكان بلال…
__________
(1) الأنعام / 14.

الصفحة 303