305…ينشأ مجتمعاً مادياً مرتبطاً فقط برغائب البدن وشهواته وأهوائه كافراً بما وراء ذلك ليكون حاله كحال من قال فيهم الله تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوءُ العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون) (1) ولا كحال أولئك الذين قال الله فيهم:
(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنه يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) (2).
ولم ينشأ مجتمعاً رهبانياً مجافياً لرغائب البدن ومتطلباته متفانياً في حاجات الروح وميولها بحيث يكون عاجزاً عن ضمان ضرورات العيش، وحائراً بين متطلبات البدن ومتطلبات الروح، بل كان مجتمعاص متوسطاً معتدلاً آخذاً بكل ما ينشئ الحياة ويبني قواعدها ويرفع عمدها فيما لا يتضارب مع أسس العقيدة وأغراضها ...
ومن أجل هذا فقد جاء ف الكتاب الكريم التوجيه الحاسم إلى ذلك بقوله تعالى:
(وكذلك جعلنام أمة وسطاً) (3) كما جاء فيه التوجيه الواضح الذي لا لبس فيه إلى هذا التوسط بقوله تعالى:
(وابتغ فيما آتاك الله الدار اآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) (4).
ولقد كان لهذا الإيمان والمنهج وتلك السمات بركاتها التي لا تنفذ…
__________
(1) النحل / 4 - 5.
(2) الكهف /103 - 104.
(3) البقرة / 143.
(4) القصص / 77.