كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

34…
بعض طباع هاتين القبيلتين:
وعلى الرغم من أن هاتين القبيلتين قد سكنتا يثرب ذات الأرض الخصبة والمناخ الطيب الرضي، ورغم انشغال عامة أبنائهما بحراثة الأرض وشؤن الزراعة والتجارة وبناء المنازل والأخذ بحظ وفير من خصال الحضر، فإن رواة الأخبار لينقلون عنهم أن طباعهم كانت أميل إلى البداوة وخصالها من أهل مكة.
وقد ظلت معالم الروح القبلية، وسجاياها التي منها النزوع إلى السيطرة والتخاصم شائعة بينهم، وبقيت بذور الخلاف ذارة قرنها في جموعهم إلى أن نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم وخلقهم بأخلاق الإسلام وآدابه وأمرهم بالكف عن التحاقد والتباغض، وحضهم بالعكس على التآخي والتحاب في الله فأنساهم ذلك إلى حد بعيد.
ولقد كان من فضل الإسلام عليهم أن شغلهم بمحاربة الفساد وبمكافحة الباطل والتصدري للشرك والبغي وللمباديء الشريرة عن نزوعاتهم القبلية، فكانوا حقاً كما وصفوا أنصاراً لله وللإسلام وللحق.
من أسباب النزاع بين الأوس والخزرج:
وقد يتساءل البعض باحثاً عن السبب الذي كان يثير بين هاتين القبيلتين الكبيرتين في يثرب النزاع.
مع أنهما ترجعان إلى أب واحد، وتجمع بينهما مصالح مشتركة.
وتجيب بعض الروايات أن بداية هذا النزاع بينهما، كان في القديم تنافساً قبلياً على الرياسة في يثرب.
وإن الأخبار لتروي، بأن عرب يثرب هؤلاء، عندما دخلوها من قبل، عاشوا زمناً مديداً في أكناف اليهود الذين سكنوها قبلهم.
ولكنهم ما لبثوا بعد زمن أن تخاصموا معهم وتفوقوا عليهم على يد رجل من…

الصفحة 34