كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

35…الخرزج.
وكان من المفروض حسب طبائع الأمور، أن يجتهد الخزرجيون في الإحتفاظ برياستهم وزعامتهم للمدينة بعد هذا التفوق والبروز، لولا أن لأوسيين تملكوا من أراضي يثرب افضلها وأجودها وأخصبها، الأمر الذي أنعش وضعهم الإقتصادي وجعله خيراً من وضع الخزرجيين.
ولقد دفع بهم هذا الوضع المتفوق إلى أن يأبوا أن تبقى الرياسة والصدارة لبني الخزرج إلى ما لا نهاية، وأن يبقى من حولهم من الأعراب يقرون لهم بها، وهم منهم.
ولذلك فقد كانت تثور في صدورهم الحفائظ وتحركهم مرة بعد أخرى لعمل ما، إلى أن دفعت بأحدهم أخيراً إلى أن يترصد حليفاً لزعيم الخزرج "مالك بن العجلان" وأن يقتله.
وقد جر هذا العدوان القبيلتين إلى حروب كان النصر في أكثرها للخزرج، ولكنه انتهى يوم بعاث أخيراً وقبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون لصالح الأوس على الخزرج.
ولقد كان يوم بعاث من أشد الأيام عليهما، لأنه اصاب الفريقين بأضرار جسيمة في الأرواح والأموال، فقتل فيه عدد كبير من سروات القوم وأشرافهم ورؤسائهم، وأصيبت ممتلكاتهم بأذى عظيم.
مما أضعف الطرفين، وأوهن قواهما، وحملهما قسراً على التفكير بالتماس أنجع الوسائل لتجاوز هذه الخلافات ومسح آثارها وإبدالها بما يجمع القلوب ويغمرها بالمحبة والسلام.
بعاث وبعثة النبي:
ولعل هذا يدفع بنا إلى الوقوف عند كلمة السيدة عائشة ومناقشة مضمونها لفهم مرماها ومغزاها تلك التي سبق وأوردناها من قبل وهي:
"كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقد الرسول وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرحوا، قدمه الله لرسوله في دخولهم الإسلام ".

الصفحة 35