كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

36…فإنهم قد أوهنتهم الحرب وكسرت شوكتهم وأصابتهم بضرر بكير، وأصبح همهم الأوحد أن يبحثوا عن جامع تلتقي عنده بطونهم في التعظيم والإكبار والطاعة والإنقياد ولا يختلفون عليه أبداً، فيخرج بهم من إطار العداوة والإقتتال إلى فسحة التحاب والتعاون، ويوفر لهم كل طاقاتهم لتكون مادة عظيمة تشحن جموعهم وتعزز كيانهم في وحدة مصونة تعلي شأنهم وتوجه نشاطهم وقواهم إلى ما هو أجدى عليهم من التنازع والتحارب دونما طائل.
ولقد كان يوم بعاث رغم ما كان له من آثار ومن أضرار، توطئة جيدة ليتقبل الجميع بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تقبل الأرض العطشى للغيث يهبط عليها من مزن السماء.
فكانت رحمة وبكرة ساقا عليهم من واسع غيبه.
وصدق الله العظيم حيث يقول: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (1).
ولا أدري ما الذي يحملني في داخل نفسي عل المقاربة بين الكلمتين بعاث وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم، رغم أن بعاث ترمز إلى الحرب والرعب والقتل والدمار، وبعثة ترمز إلى السلام والأمان والبناء، بحيث اتجه الذهن عفواص ودونما أي دليل، إلا الحدس، إلى أن تلك التسمية لم تكن عبثاً.
وأن مشيئة الله أرادت أن يكون يوم بعاث بين الأوس والخزرج يوم بعث طاقاتهما وبعث قلوبهما لتتجه إلى مناصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والإلتفاف حوله، لتعزيز دعوته بعد تهيئتهما لتقبل الخير والإنقياد لقيادته لينقذهما وينقذ بهما العالم.
الفرق بين مكة ويثرب وسكانهما:
وقبل الدخول في الحديث عن سكان يثرب من اليهود:
يحدونا…
__________
(1) البقرة /216.

الصفحة 36