37…الحديث إلى المقارنة بين وضع سكان كل من مكة ويثرب، ونقول بأن يثرب لم يتوفر لها من الظروف الاجتماعية والدينية ما توفر لمكة.
فقد حرمت مكة من خصب الأرض، وغزارة المياه، وطراوة الجو، وعذوبة المناخ، ولكنها امتازت بأنها مكان وجود بيت الله الحرام الذي وفر لها ولأهلها الكثير من الإمتيازات الاجتماعية والدينية التي لم تتيسر ليثرب وسكانها، فانعكست عليها بعظيم البركة والخير، وفي مقدمته وحدة المجتمع المكي، وظهور الإستقرار الداخلي فيه وانتشار الهدوء والأمن.
لقد التقى أهلها على مفهوم ديني كبير وموحد هو سدانة الكعبة ورعاية قداستها والمحافظة على شرفها، وكانوا بالإضافة إلى ذلك من جنس واحد عرباً خلصاً، لا ينازعهم على سلطان مكة غريب.
أما يثرب فكان من سكانها العرب، واليهود، وكان منهم الوثنيون ومنهم أهل الكتاب.
ولم يكن لهم بيت ديني يلتقون فيه في المدينة، يلتفون حوله ويلتقون على تعظيمه.
ومن أجل هذا سهل الطريق أمام الخلاف ليأخذ سبيله غليهم وينقلب إلى نزاع ومن ثم إلى حروب.
ومن هنا فقد كان في يثرب قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهما مجتمعان:
مجتمع عربي له عقائده وخصاله ورغائبه وعاداته وأعرافه، ومجتمع يهودي له أيضاً عقائده وخصاله ورغائبه وعاداته وأعرافه، بل وكان المجتمع العربي بسبب نزوعه القبلي واختلافه على الرئاسة والمنافع المادية وعدم وجود البيت الديني المقدس الذي يلتقون عنده، مجتمعاً قلقاً مفككاً، والمجتمع منقسماً لا تتوفر له وحدة ولا يقوم فيه تماسك ...
ولقد ثبت أن كلا من المجتمعين العربي واليهودي، كان قبل…