42…
يثرب والغارات:
وقد ألفت يثرب مع الزمن هذا وكيفت نفسها معه، وذلك بما كانت تعقده أحياناً من عقود وأحلاف مع بعض القبائل المجاورة، أو بما كانت تدفعه إلى بعضها من إتاوات، أو بما كانت تصطنعه أحياناً أخرى من وسائل القوة والتحصن التي تصون بها ذاتها وتكبح بها جماح أعدائها وتحمي محاصيلها ومؤسساتها من السلب والنهب.
ولقد كان من آثار ذلك ما رأينا سابقاً أن مالوا إلى بناء الحصون وإشادة القلاع، لتزيد في منعتهم وتوفر لهم مزيداً من الثقة بالذات والقدرة على الدفاع، وحماية النفس والأهل والمال عند الضرورة في وجه المعتدين والمغيرين عليهم من الخارج.
أو في وجه الخصوم المنازعين لهم والمختلفين معهم من الداخل.
وإن بعض أقوال رؤساء تلك القبائل التي كانت موجودة في المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإسلام ليقم لنا صورة جلية عن هذه الحقيقة، فقد قال له عبد الله بن ابي ابن سلول يوم أحد، عندما استشار صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إلى أحد أو البقاء في المدينة بعد أن انتهى إليه خبر قدوم جيش قريش إليها: "كنا نقاتل في الجاهلية فيها ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي ونجعل معهم الحجارة، ونشبك المدينة بالبنيان، فتكون كالحصن من كل ناحية، وترمي المرأة والصبي من فوق الصياصي والآطام ونقاتل بأسيافنا في السكك.
يا رسول الله إن مدينتنا عذراء ما فضت عليها قط، وما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا، وما دخل علينا قط إلا أصبناه.
يا رسول الله أطعني في هذا الأمر. واعلم أني ورثت هذا الرأي عن أكابر قومي وأهل الرأي منهم فهم أهل الحرب والتجربة (1).
…
__________
(1) الواقدي / 164.