كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

43…
وشبيه هذا ما نقله ابن سعد أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عندما فكر بمصالحة قبيلة غطفان على ثلث ثمار يثرب لقاء أن يرجعوا عنها يوم الخندق:
"يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه.
وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه، وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟.
والله ما لنا بهذا من حاجة ووالله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم " (1).
وهذان الخبران يلفتان النظر، وبإقرار من أبناء المدينة المشهود لهم في افسلام وفي الجاهلية من قبله، إلى أن المدينة كانت من قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعرض من حين لآخر إلى غارات تشنها عليها بعض القبائل البدوية المجاورة لها، فيتصدون لهم بالدفاع عنها والقتال دونها ليمنعوا أنفسهم وأهلهم وديارهم وأموالهم من عدوانهم وخطر غلبتهم عليهم أو على الأقل خطر النيل منهم ومن محاصيلهم.
قوة سكان يثرب العرب:
واشتهر أن سكان يثرب العرب، كانوا أهل حرب وكر وفر ونزال وكطعان ودراية بفنون الحرب، وأنهم كانوا ذوي كفاءة وصبر ومراس شديد، كما اشتهر أنهم كانوا أهل نجدة وسلاح، وكانوا يعتدون بقوتهم وببأسهم. وينجهون في حياتهم منهجاً ذاتياً استقلالياً. ولا يبالون أرضي عنهم الآخرون أم سخطوا ما دام هذا النهج مؤتلفاً مع مصلحتهم، ونابعاً من قناعاتهم الخاصة يدل على هذا، ما كان منهم من قول يوم بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة، وما كان منهم من إقدام على تحمل مسؤولية…
__________
(1) السيرة النبوية لابن كثير 3/ 202.

الصفحة 43