كتاب مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها

9…الإنسان، وتوجيهها لتكون في صالحه المعاشي والعمراني والأمني بصورة خالصة، وسخرها على النقيض من ذلك وفي كثير من الأحوال والظروف في إفساد هذه العلاقة وتخريبها بدافع الطمع أو الهوى أو حب السيطرة والإستغلال، حتى آل هذا التقدم العلمي والحضاري مظهراً من مظاهر التنافس في الإقتناء والتكاثر في الأموال ومعارض الزينة والجاه والغنى.
والتفوق العلمي المقرون بالتقدم التكنولوجي والحضاري، إذ اتجه إلى الشؤون الدنيوية والمادية، وأخضع في الغالب لتوفير مكاسب شخصية لا تتعدى المصالح الذاتية من طعام وشراب ولباس ولعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، فإنه يغرق الإنسان في الأجواء والظروف المادية الخالصة، التي يصبح فيها موضوع الخسارة والربح الماديين والزيادة والنقص فيهما الهم الشاغل والمحرك الأساسي.
وقديماً عاش الناس لهذا الغرض فحسب، ومروا بمثل هذه التجربة، فجاءت الرسالات الإلهية تبصرهم بعواقبها الوخيمة، وتهديهم إلى سبل الخير والرشاد، وتجعل اهتمامهم في الشؤون الدنيوية المادية في حدود كفاية معاشهم الكريم وصلاح أدبانهم وصيانة دمائهم وأعراضهم، ودون أن ينجرف بهم الحال إلى مجرد الجمع والكنز والتخزين وإلى استباحة استغلال النفوس البشرية ومجتمعاتها استغلالاً لا يراعى فيه حكم الله في الإباحة والخطر، ولا رضاه وسخطه، بقدر ما تراعى فيه مقاصد الترف والبطر وقضاء الشهوات.
وقد نهى القرآن الكريم عن كنز الأموال وتحزينها، وحرمان وجوه الخير والبر منها فقال الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) (1) كما نهى عن الترف وبطر المعيشة وأخبر عن مصائر الذين أترفوا في هذه الدنيا، والذين بطرت…
__________
(1) التوبة/35.

الصفحة 9