كتاب تصويبات في فهم بعض الآيات

بعد هذا نقول: إن القول اللين هو في أسلوب مخاطبة المدعوين -ومنهم المسؤولون- وفي ألوان هذا الخطاب، وفي درجته ومستواه، وفي القالب الذي تُقدَّم فيه الحقائق، والصورة التي تُعرض فيها، والإطار الذي تكون ضمنه، وفي اختيار الألفاظ والمفردات والتراكيب والعبارات، التي تدل على الموضوع.
ولا يمكن أن يكون القول اللين في الموضوع والمضمون، والحقائق والمقررات، والمعالم واليقينيات، والخطة والمنهج. لأن هذه الأمور لا تقبل المساومة ولا المفاوضة، ولا المداهنة ولا التنازل، ولا تأجيلها ولا إخفاءها.
القول اللين في أسلوب الخطاب لا مضمونه، القول اللين في عرض الحقيقة لا في جوهرها وكنهها.
يريد ناصحون من الدعاة أن يتنازلوا عن المضمون والجوهر باسم القول اللين، وأن يُخفوا الحقائق والمقررات باسم القول اللين، وأن يباركوا الفساد والانحراف والمنكر باسم القول اللين، وأن يتخاذلوا ويجبنوا ويذلوا أمام المسؤولين باسم القول اللين.
وهم ظالمون لأنفسهم ولإِخوانهم ولدينهم وإسلامهم. هم ظالمون لمفهوم ومعنى القول اللين، ظالمون لموسى في فهمهم عنه التزام القول اللين.
القول اللين: هو ما سبق أن أوردناه من بيان موسى عليه السلام دعوتَه ورسالتَه، وتقديمه نفسه لفرعون كما بيَّن القرآن.
ونأخذ معنى القول اللين وطريقة تنفيذه، من أوامر الله لمحمد عليه السلام، التي بلَّغها بطريقة القول اللين:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ

الصفحة 119