كتاب تصويبات في فهم بعض الآيات

وكأن الله يقول للرسول عليه السلام -ولكل داعيةٍ من بعده- إنك لا تستطيع أن تجعل من أحببت من البشر مؤمناً، ولا أن تُدخل الإيمان في قلبه. إن هذا الأمر بيد الله، فهو الذي يهدي للإيمان من يشاء، بمعنى أنه هو الذي يقذف الإيمان في قلب من يشاء -وفق السنن الربانية الدائمة في الهداية والإضلال، التي تقرر للإنسان الإرادة والاختيار لطريق الهدى أو طريق الضلال، وكوْن هذا الاختيار الإنساني لأحد الطريقين، موافقٌ لما في علم الله الأزلي، ومحقق لإرادة الله ومشيئته-.
ولذلك فإن قلوب البشر جميعاً بيد الله، والدعاة لا يملكون أن يُكرهوا واحداً منها على الإيمان. {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}. وقال: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ}.
وإذا كان الدعاة لا يملكون هذا النوع من الهداية -الذي نفته عنهم آية القصص موضوع البحث- فلا يعني هذا أن يقعد الدعاة عن الدعوة، وأن يتوقفوا عن البيان والنصح والتذكير، وأن يتركوا الناس لأنهم لا يملكون هدايتهم -كما قد يفهم بعضهم خطأ- فإن البيان والنصح والتذكير واجبٌ على كل مسلم، وقد مكَّنه الله منه، وجعله في وسعه، وضمن إمكاناته واختصاصاته.
وقد كثرت الآيات الصريحة التي تجعل هذا في يد الداعية. نختار منها ما يلي:

الصفحة 128