كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فذم اليهود على ما حسدوا به المؤمنين على الهدى والعلم، وقد يبتلى بعض المتلبسين بالعلم وغيرهم بنوع من الحسد لمن هداه الله بنوع علم أو عمل صالح، وهو خلق مذموم مطلقا، وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم.
وقال -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فوصفهم بالبخل بالعلم والمال، وإن كان السياق يدل على أن البخل بالعلم هو المقصود الأكبر، وكذا وصفهم بكتمان العلم في غير آية مثل قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ.

فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم تارة بخلا به، وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوف أن يحتج عليهم بما أظهروه منه، وهذا قد ابتلي به طوائف من المنتسبين إلى العلم، فإنهم تارة يكتمون العلم بخلا به؛ وكراهة أن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضا برئاسة أو مال، فيخاف إن أظهره نقص رئاسته أو ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة، أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت

الصفحة 23