كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

فهذا كله وأشباهه خرج منه صلى الله عليه وسلم مخرج الخبر عن وقوعه والذم لمن يفعله، فعلم أن مشابهتها لليهود والنصارى وفارس والروم مذموم ذمه الله ورسوله، وهو المطلوب.
فإن قيل: إذا كان قد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله - جل وعز - أنه لا بد من وقوع المشابهة، فما فائدة النهي عن ذلك؟
قيل: قد دل الكتاب والسنة - أيضا - أنه لا تزال طائفة متمسكة بالحق الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وأنها لا تجتمع على الخطأ، ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه الطائفة المنصورة وتثبيتها وزيادة إيمانها، زادها الله شرفا وقوة ونصرا، وأظهر دينه، ونصره حيث كان، وعلى يد من كان، وخذل أعداءه، وكبتهم، وجعل الدائرة عليهم، إنه سميع الدعاء.
وأيضا لو فُرِضَ أن الناس لا يتركون هذه المشابهة المنكرة، لكان في العلم بها معرفة القبيح والإيمان بذلك، فإن نَفْس العلم والإيمان بما كرهه الله خير وإن لم يعمل به، بل فائدة العلم والإيمان أعظم من فائدة مجرد العمل الذي لم يقترن به علم، فإن الإنسان إذا عرف المعروف وأنكر المنكر كان خيرا من أن يكون ميت القلب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
وإنكار القلب: هو الإيمان بأن هذا منكر، وكراهته لذلك، فإذا حصل ذلك كان في القلوب إيمان،

الصفحة 36