كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

لنا أن المعنى المشتق منه معنى مناسب للحكمة، ولأن الأمر إذا تعلق باسم مفعول مشتق من معنى، كان المعنى علة للحكم، كما في قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وفَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وعودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا العاني.
وأيضا إذا أمر بفعل كان نفس مصدره أمرا مطلوبا للآمر مقصودا، كما قال تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ ووَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا.
فإن نفس التقوى والإحسان والإيمان والعبادة أمور مطلوبة مقصودة، بل هي نفس المأمور به.
فلما قال: "خالفوهم" كان الأمر بمخالفتهم داخلا في العموم، وإن كان السبب الذي قاله لأجله هو الصبغ؛ لأن الفعل فيه عموم وإطلاق لفظي ومعنوي، فيجب الوفاء به، وخروجه على سبب يجب أن يكون داخلا فيه، ولا يمنع أن يكون غيره داخلا فيه، وإن قيل: إن اللفظ العام يقصر على سببه؛ لأن العموم هنا من جهة المعنى، ولا يقبل من التخصيص ما يقبله العموم اللفظي.
وأيضا عدول الأمر عن لفظ الفعل الخاص إلى لفظ أعم منه، كعدوله عن لفظ: أطعمه، إلى لفظ: أكرمه، وعن لفظ: فاصبغوا، إلى

الصفحة 38