كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

لفظ: فخالفوهم، لا بد له من فائدة، وإلا فمطابقة اللفظ للمعنى أولى من إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص، ولا فائدة هنا إلا تعليق القصد بذلك المعنى العام المشتمل على هذا الخاص، وهذا بين لمن تأمله.
وأيضا إذا أمر بفعل باسم دال على معنى عام مريدا به فعلا خاصا، كان ذلك يقتضي أنه قصد أولا ذلك العام، وأنه إنما قصد ذلك الخاص لحصوله بالعام.
ففي قولك: أكرم زيدا، طلبان: طلب للإكرام المطلق، وطلب لهذا الفعل الذي يحصل به المطلق، لأن حصول المعين مقتض لحصول المطلق، وهذا معنى صحيح إذا صادف فطنة وذكاء انتفع به في كثير من المواضع، وعلم به طريق البيان.
وأيضا فإنه رتب الحكم على الوصف بحرف الفاء، فيدل على أنه علة له من غير وجه، حيث قال: "إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم" ولأنه لو لم يكن لقصد مخالفتهم تأثير في الأمر بالصبغ لم يكن لذكرهم فائدة، فنفس المخالفة لهم في الهدي مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين؛ لما فيه من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه، ونفس ما هم عليه من الهدى والخلق قد يكون فيه مضرة، فينهى عنه، ويؤمر بضده؛ لما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيء من أمورهم إلا وهو إما مضر أو هو ناقص.
ولا يتصور أن يكون شيء من أمورهم كاملا قط، فإذا المخالفة لهم فيها لنا منفعة ومصلحة لنا في كل أمورهم حتى ما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم فقد يكون مضرا بأمر الآخرة أو بما هو أهم منه من أمر الدنيا.
وبالجملة: فالكفر بمنزلة المرض الذي في القلب وأشد، ومتى كان

الصفحة 39