كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

القلب مريضا لم يصح شيء من الأعضاء صحة مطلقة، وإنما الصلاح: أن لا تشابه مريض القلب في شيء من أموره وإن خفي عليك مرض ذلك العضو، لكن يكفيك أن فساد الأصل لا بد أن يؤثر في الفرع، ومن انتبه لهذا قد يعلم بعض الحكمة التي أنزلها الله، فإن من في قلبه مرض قد يرتاب في الأمر بنفس المخالفة لعدم استبانته لفائدته، أو يتوهم أن هذا من جنس أمر الملوك والرؤساء القاصدين للعلو في الأرض، ولعمري إن النبوة غاية الملك الذي يؤتيه الله من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ولكن ملك هو غاية صلاح من أطاعه من العباد في معاشهم ومعادهم.
وحقيقة الأمر أن جميع أعمال الكافر وأموره لا بد فيها من خلل يمنعها أن تتم منفعته بها، ولو فرض صلاح شيء من أموره على التمام لاستحق بذلك ثواب الآخرة، فالحمد لله على نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم وأم كل خير كما يحب ربنا ويرضى، فظهر أن مخالفتهم أمر مشروع في الجملة؛ ولهذا كان الإمام أحمد وغيره يعللون الأمر بالصبغ بعلة المخالفة.
فإذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بياض الشيب الذي ليس هو من فعلنا، فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم بطريق الأولى؛ ولهذا كان هذا التشبه بهم يكون محرما بخلاف الأول.

الصفحة 40