كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

ونهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة، وإن لم يقصد العابد ذلك.
ونهى عن السجود لله بين يدي الرجل، وإن لم يقصد الساجد ذلك؛ لما فيه من مشابهة السجود لغير الله، فقطعت الشريعة المشابهة في الجهات والأوقات، وكما لا يصلي إلى القبلة التي يصلون إليها لا يصلي إلى ما يصلون له.
وقال صلى الله عليه وسلم: ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما، فصلوا قياما، وإن صلى قاعدا، فصلوا قعودا، إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم قال ذلك لما صلى قاعدا وصلوا خلفه قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، ثم قال ذلك بعد فراغه، فأمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة، وعلل ذلك بأنه يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم. ومعلوم أن المأموم إنما ينوي أن يقوم لله لا للإمام، وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد، ونهي أيضا عما يشبه ذلك وإن لم يقصد به ذلك.
فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية؟
وأيضا انتساب الرجل إلى المهاجرين أو الأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط، كالانتساب إلى القبائل والأمصار، ولا من المكروه أو المحرم، كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى، ثم مع هذا لما ادعى كل من الطائفتين: يا للمهاجرين ويا للأنصار منتصرا بحزبه على الآخر، أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: ما هذا؟

الصفحة 43