كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

للحق - كقوله سبحانه: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كل من عمل سوءا فهو جاهل.
وسبب ذلك أن العلم الحقيقي الراسخ في القلب يمتنع أن يصدر معه ما يخالفه من قول أو فعل، فمتى صدر خلافه فلا بد من غفلة القلب عنه، أو ضعفه بما يعارضه، وتلك أحوال تناقض حقيقة العلم، فيصير جهلا بهذا الاعتبار.
ومن هنا تعرف دخول الأعمال في مسمى الإيمان حقيقة لا مجازا، وإن لم يكن كل من ترك شيئا من الأعمال كافرا ولا خارجا عن أصل مسمى الإيمان، وكذلك اسم العقل ونحوه من الأسماء؛ ولهذا يسمي الله -سبحانه- أصحاب هذه الأحوال: موتى، وعميا، وصما، وبكما، وضالين، وجاهلين، وأنهم لا يعقلون، ولا يسمعون.
إذا ثبت ذلك، فالناس كانوا قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في حال جاهلية منسوبة إلى الجهل، فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال، إنما أحدثه لهم جهال، وإنما يفعله جاهل، وكذلك كل ما يخالف ما جاءت به المرسلون من يهودية أو نصرانية فهي جاهلية، وتلك كانت الجاهلية العامة.
وأما بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فالجاهلية المطلقة قد تكون في مصر دون مصر، كما هي في دار الكفار، وقد تكون في شخص دون شخص، كالرجل قبل أن يسلم، فإنه في جاهلية وإن كان في دار الإسلام.

الصفحة 47