كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عن فعله، ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا شريعة موروثة عن الأنبياء، ولا هم مشتغلون ببعض العلوم العقلية، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب وما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، وما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم أو من الحرب، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي ما جعل الله ولا يجعل أمرا أجل منه ولا أعظم قدرا، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة ومعالجته حتى نقلهم عن تلك العادات الجاهلية والظلمات الكفرية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرها، فزالت تلك الريون عن قلوبهم، واستنارت بهدى الله، فأخذوا ذلك الهدي بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم والكمال الذي أنزله الله إليهم بمنزلة أرض جيدة في نفسها عطلت عن الحرث، فنبت فيها شوك وزغل وصارت مأوى الخنازير والسباع، فإذا طهرت عن المؤذي

الصفحة 72