كتاب المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها - أبو زيد - ط عالم الفوائد
فتاويه - رحمه الله - بين الناس. فمن أحب الوقوف عليها رأى ذلك.
فمن جود الانسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل؛
بل يذكر له نظائرها ومتعلقها ومأخذها، بحيث يشفيه ويكفيه.
وقد سأل الصحابة رضي الله عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المتوضىء
بماء البحر؟ فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته " فاجابهم عن
سؤالهم. وجاد عليهم بما لعلهم في بعض الاحيان إليه احوج مما
سألوه عنه.
وكانوا إذا سألوه عن الحكم نبههم على علته وحكمته. كما
سألوه عن بيع الرطب بالتمر؟ فقال: "أينقص الرطب اذا جف؟
قالوا: نعم. قال: فلا. اذا" ولم يكن يخفى عليه -! و- نقصان
الرطب بجفافه، ولكن نبههم على علة الحكم. وهذا كثير جدا في
أجوبته -لمجي! - مثل قوله: "إن بعت من اخيك ثمرة فاصابتها جائحة
فلا يحل لك أن تاخذ من مال أخيك شيئا، بم يأخذ أركم مال
اخيه، بغير حق؟ " وفي لفظ: "أرايت ان منع الله الثمرة: بم ياخذ
احدكم مال أخيه، بغير حق؟ " فصرح بالعلة التي يحرم لأجلها
إلزامه بالثمن. وهي منع الله الثمرة التي ليس للمشتري فيها صنع.
وكان خصومه - يعني شيخ الإسلام ابن تيمية - يعيبونه بذلك.
ويقولون: ساله السائل عن طريق مصر -مثلا- فيذكر له معها
طريق مكة، والمدينة، وخراسان، والعراق، والهند، وأي حاجة
بالسائل إلى ذلك؟.
ولعمر الله ليس ذلك بعيب، وإنما العيب: الجهل والكبر.
وهذا موضع المثل المشهور:
53