كتاب موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله (اسم الجزء: 1)

ومن هنا راجت بضاعة من كذب، وانتعش سوق الضعفاء والمجاهيل، وانفض شباب اليوم إلى اللهو واللعب، بعد أن تركوا، خلف ظهورهم، الصدق والصحيح قائمًا يستوحش غربته.
وبعد أن كان المعين سلسبيلاً، يروي من ورد، ويشفي من مرض، ويهدي من شرد، تحول إلى خليط من البول والبول، والضلال والضلال، والعمى والعمى، وأغلقت مصادر الحديث الأولى، وتحولت مراجع أحمد بن حنبل، وتواريخ البخاري، وضعفاء العقيلي، ومجروحون ابن حبان، إلى ذكرى كانت، وحياة ماتت، وأطلال يبكي عليها من تبقى في أنفه شيء من رائحة الجيل الأول.
اقرؤوا، وتفكروا، فإن القراءة وحدها لا تنفع.
وعلى زبد هذا المستنقع تكاثرت أنوع غريبة من الجراثيم، بل والأفاعي، لتعمل في تحقيق الكتب، وكلها على مذهب «بالجملة» .
وهذا أعطى السلاح، الذي عصى طويلاً على أعداء الإسلام، في يد محاربيه، فأخذوا هذا العدد الهائل من الأكاذيب، التي صححها المتأخرون، وقالوا هذا هو دينكم.
بل لقد انتشر بين الفرق والجماعات من صار ينكر الحديث كله، صحيحه وضعيفه، ويقولون عندنا كتاب الله.
وإن كنا لا نناقش هؤلاء الآن، إلا أنهم والله ما عندهم من كتاب الله شيء، ولو كان في قلوبهم منه آية لاهتدوا بحديث نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
إنني على ثقة من أن الكثيرين، ممن ينكرون الحديث، والأخذ به، لو اطلعوا على الأحاديث الصحيحة، من مصادرها الأولى، ودرسوا علم رجال الحديث، وعلله، من منابعه الصافية الطاهرة، لاطمأنت نفوسهم، وصلح بالهم.
ثم إن انتشار هذه الأكاذيب بين الناس، فرق على الأمة شملها، وأذهب ريحها، وانقطع حبلها، فجادلت بعد أن كانت السامعة المطيعة، وتقاتلت بعد بنيان كان يشد بعضه بعضًا، ورمى بعضها البعض بالكفر، والفسوق، والعصيان.
ومن هنا أردنا، بعون الله وحده، أن نأخذ ولو بيد فرد واحد، ليتعلم كيف يفتح ما انغلق من صفحات كانت في يوم من الأيام نورًا في سماء أمة، ونعود إلى خير القرون.

الصفحة 6