كتاب الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

عَامَّةَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَيَرَوْنَهَا حَقًّا , وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ». ثم روى أحاديث أخرى في رفع اليدين عن ابن عمر، وغيره من الصحابة الذين رووا ذلك ممن سبق ذكرهم في جملة السبع عشرة نفسًا.
ثم أخذ البخاري بعد ذلك يفند حجج خصومه، وهي تنحصر في أن علي بن أبي طالب، وابن عمر اللذين روى عنهما أحاديث رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه - قد روي عنهما ما يفيد عدم رفع اليدين إلا في تكبيرة الإحرام، وهذا إما دليل على نسخ الرفع عند الركوع أو دليل على ضعف الحديث فيه. وعن ابن مسعود والبراء بن عازب ما يفيد عدم الرفع، كما استدل بعضهم على عدم الرفع بحديث «مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟»، واعتل بعضهم بأن ابن عمر كان صغيرًا.
أما الرواية الثانية عَنْ عَلِيٍّ فِي «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ بَعْدُ»، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ «أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ»، كما احتج أيضًا في ردها بأن الأخذ بالمثبت أولى من الأخذ بالنافي، فإذا روى رجلان عن محدث وقال أحدهما: رأيته يفعل، وقال الآخر: لم أره، فالذي قال: رأيته يفعل هو شاهد، والذي قال: لم يفعل فليس هو بشاهد، لأنه لم يحفظ الفعل، ثم ذكر مثلاً لذلك أَنَّ بِلَالاً قَالَ: «" رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الكَعْبَةِ " , وَقَالَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ: " لَمْ يُصَلِّ " , فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ بِلَالٍ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ , وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَمْ يُصَلِّ حِينَ لَمْ يَحْفَظْ» (ص ٥).
«أَمَّا مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ، فَذَلِكَ سَهْوٌ مِنْهُ»، ثم «رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ تَضْعِيفَ ذَلِكَ». ثم قال: «وَلَوْ تَحَقَّقَ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لَكَانَ حَدِيثُ طَاوُوسٍ ,

الصفحة 583