كتاب الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

عني بهما الصلاة التي لا إمام فيها للمصلي، وَقَدْ فَهِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ هَذَا الفَهْمَ، فِيمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: «" يَا رَسُولَ اللهِ فِي [كُلِّ] الصَّلَاةِ قُرْآنٌ؟ " قَالَ: " نَعَمْ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: " وَجَبَتْ ". قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " أَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَمَّ القَوْمَ , فَقَدْ كَفَاهُمْ "».
فلم يبق إلا الحديث الثالث الذي رواه عبادة، وقد روى الطحاوي مجموعة من الآثار تخالفه، مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى رَكْعَةً , فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ , فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ» (١)، ومنها حديث: «مَالِي أُنَازَعُ القُرْآنَ؟» عن أبي هريرة، وفيه: «فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالقِرَاءَةِ , مِنَ الصَّلَوَاتِ , حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ»، وبما رواه عن أبي هريرة مرفوعًا: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا».
ثم ذكر الطحاوي أنه إذا احتج محتج بأن بعض الصحابة قد كان يقرأ خلف الإمام، احتج عليه بأن بعضهم الآخر كان لا يقرأ، ثم روى عدم القراءة خلف الإمام عَنْ عَلِيٍّ، وابن مسعود، وجابر، وزيد بن ثابت، وابن عمر.
ولم ينس الطحاوي أن يحكم النظر بين الآثار المختلفة، فذكر أن القراءة خلف الإمام لو كانت فرضًا، لما صحت الركعة التي أدرك مع الإمام فيها وهو راكع، فلما أجمعوا على أنه يعتد بتلك الركعة، كان ذلك دليلاً على عدم وجوب القراءة على المأموم، ولا يقال إن القراءة سقطت
---------------
(١) رواه " الترمذي ": وَقَالَ: «حَسَنٌ صَحِيحٌ»: ٢/ ١٠٦، ١١١.

الصفحة 590