كتاب الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: " لَا يُجْزِيهِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ". فَإِنِ احْتَجَّ، فَقَالَ: إِذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ جَازَتْ فَكَمَا أَجْزَأَتْهُ فِي الرَّكْعَةِ كَذَلِكَ تُجْزِيهِ فِي الرَّكَعَاتِ، قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا أَجَازَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالذِينَ لَمْ يَرَوُا القِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَأَمَّا مَنْ رَأَى القِرَاءَةَ، فَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُدْرِكَ الْإِمَامَ قَائِمًا "، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " لَا يَرْكَعُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ القُرْآنِ "، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا لَكَانَ هَذَا المُدْرِكُ لِلرُّكُوعِ مُسْتَثْنًى مِنَ الجُمْلَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهِ».
ثم يبين البخاري تناقض أهل الرأي على استدلالهم لعدم القراءة خلف الإمام، بالآية الكريمة: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤]. فيسألهم: أيثني المأموم على اللهِ والإمام يقرأ؟ فيجيبون: نعم، فيقول لخصمه: إن الثناء تطوع تتم الصلاة بغيره، والقراءة في الأصل واجبة، لقد «أَسْقَطْتَ الوَاجِبَ بِحَالِ الْإِمَامِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا} [الأعراف: ٢٠٤]، وَأَمَرْتَهُ أَنْ لَا يَسْتَمِعَ عِنْدَ الثَّنَاءِ وَلَمْ تُسْقِطْ عَنْهُ الثَّنَاءَ، وَجَعَلْتَ الفَرِيضَةَ أَهْوَنَ حَالًا مِنَ التَّطَوُّعِ، وَزَعَمْتَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ وَالْإِمَامُ [فِي الفَجْرِ فإنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ] لَا يَسْتَمِعُ وَلَا يُنْصِتُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ. وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَالَ]: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ "» (ص ٤).
وَقَدْ ضَعَّفَ البُخَارِيُّ الحَدِيثَ الذِي يَحْتَجُّونَ بِهِ، وَهُوَ «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ»، ثُمَّ نَاقَشَهُمْ مُنَاقَشَةً عَقْلِيَّةً، ينعى عليهم فيها أنهم أهل قياس لا يحسنونه، لأن القياس الصحيح كان يؤدي بهم إلى خلاف

الصفحة 593