كتاب الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

عِنْدَكَ وَلَا اتِّفَاقَ لِأَنَّ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَمْ يَرَوُا الثَّنَاءَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَيُكَبِّرُونَ ثُمَّ يَقْرَؤُونَ فَتَحَيَّرَ عِنْدَهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ».
ثم يلقي الضوء على نوع آخر من تناقضهم، معنفًا لهم، فيقول لخصمه: «زَعَمْتَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ أَوِ العَصْرِ أَوِ العِشَاءِ يُجْزِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ التَّطَوُّعِ لَمْ يُجِزِهِ. قُلْتَ: وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنَ المَغْرِبِ أَجْزَأَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنَ الوِتْرِ لَمْ يُجِزِهِ، وَكَأَنَّهُ مُولِعٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (١) (ص٥).
«وَقَدْ ضَعَّفَ البُخَارِيُّ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ، مِنْ عَدَمِ القِرَاءَةِ خَلْفَ الإِمَامِ، ثُمَّ عَنَّفَ أَهْلَ الرَّأْيِ لِدَعْوَاهُمْ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ حَتَّى تَكُونَ قِرَاءَةٌ، لِأَنَّ القَائِلِينَ بِذَلِكَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَلَا يُؤْثِرُونَ فِي الإِجْمَاعِ» (ص ١٤).
ثم أخذ البخاري يسرد الأدلة على وجوب القراءة في كل ركعة، وأن من يدرك الركوع مع الإمام دون أن يتمكن من القيام والقراءة فإنه لا يعتد بركعته، وعليه أن يأتي بركعة غيرها: «وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ:
---------------
(١) لاحظ التشابه في أسلوب المناقشة بين البخاري وشيخه إسحاق بن راهويه، والعبارة الأخيرة من كلام البخاري، قد استعملها إسحاق، فيما نقلناه عنه في بداية هذا الباب وفي " الهداية ": (١/ ٤٦) أن القراءة واجبة في الركعتين الأوليين من الفرض، ومخير في الأخريين، أما النفل والوتر فالقراءة واجبة في جميع الركعات فيهما، لأن كل شفع في النفل صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمه مبتدأة. وأما الوتر فللاحتياط.

الصفحة 595