كتاب الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

القَوْمَ رُكُوعًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ» (١).
هاتان هما المسألتان اللتان أفردهما البخاري بالتأليف، ومن هذا التلخيص الذي قدمنا يتبين فيه قدر غير قليل من العلاقة غير الودية بين أهل الحديث وأهل الرأي، مما فصلناه في غير هذا المكان، كما يكشف هذا التلخيص عن براعة البخاري في المناقشة، ويؤكد تمكنه من الأخبار ومعرفته بعللها، وطريقته في إلزام الخصوم وبيان تناقضهم.
أما بقية المسائل التي ناقشها البخاري في " صحيحه "، فلم تحظ بما حظيت به هاتان المسألتان، لأن كتابه في الصحيح يفرض عليه منهجًا خاصًا، لا يتيح له التوسع في مناقشة الآراء والموازنة بينهما، كما قدمنا، وإن لم تخل المسائل التي ناقشها في " صحيحه "، من جوهر هذا الأسلوب وطابعه، كما سيتضح من عرضها فيما يأتي:

• • •
---------------
(١) انظر في مسألة القراءة خلف الإمام: " المغني ": ١/ ٥٦٣، ٥٦٧؛ و" المحلى ": ٣/ ٢٣٦ وما بعدها و ٢٤٣ ومذهب ابن حزم فيها كمذهب أبي هريرة والبخاري؛ و" الهداية ": ١/ ٣٧؛ و" سنن البيهقي ": ٢/ ٨٩، ٩٠.
وذكر مالك في " الموطأ ": (١/ ١١ حديث رقم ١٨) أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ، وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ».

الصفحة 597