كتاب الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

الإقدام على هذه العقود لتخليص قريبه، لأن الإقدام على العقود ليس معصية، وهي تنعقد فاسدة، فيدفع بها القتل عن القريب، والتهديد بقتل ذي الرحم المحرم هو الذي يتحقق فيه معنى الإكراه، بخلاف قتل الأجنبي (١).
ونقد البخاري أهل الرأي في المسألة الثانية، يعتبر نموذجًا واضحًا للاتجاه الخلقي الديني عند المحدثين، حيث أوجب على كل مسلم أن يسعى في إنقاذ أي مسلم، وإن لم يكن قريبه قرابة نسبية، إذ ليست هذه القرابة هي كل ما يربط بين المسلمين، بل هناك علاقة الإسلام وأخوة الإيمان. ولهذا روى في المسألة الثانية حديث: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ». وحديث: «" انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا "، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: " تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ "».
وصدورًا عن هذا الاتجاه نفسه، جاء نقد البخاري أهل الرأي فيما تبقى من المسائل، والتي جمعها كتاب الحيل من " صحيحه ". ولعلنا نذكر أن إبطال الحيل كان إحدى نتيجتين للاتجاه الخلقي الديني، وكنا قد أجلنا الحديث عنه، ووعدنا أن نتعرض له في هذا الفصل. وها قد حان موعد لقائنا معه.
---------------
(١) انظر " حاشية السندي على البخاري ": ٤/ ٢٠١، ٢٠٢.

الصفحة 612