كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

وتحسبون -طول العمر- فكركم في الدِّماغ ونطقكم في اللسان وإحساسكم في الوجدان خوفاً من أن يسجنكم الظالمون، وما يسجنون غير أرجلكم أياماً، فما بالكم يا أحلاس النساء مع الذلّ تخافون أن تصيروا جُلاَّس الرجال في السجون؟ "
"يا قوم: أُعيذكم بالله من فساد الرأي، وضياع الحزم، وفقد الثقة بالنفس، وترك الإرادة للغير، فهل ترون أثراً للرُّشد في أن يوكِّل الإنسان عنه وكيلاً ويُطلق له التصرُّف في ماله وأهله، والتحكُّم في حياته وشرفه والتأثير على دينه وفكره، مع تسليف هذا الوكيل العفو عن كلِّ عبثٍ وخيانة وإسرافٍ وإتلاف؟ أم ترون أنَّ هذا النوع من الجنة به أن يظلم الإنسان نفسه؟ هل خلق الله لكم عقولاً لتفهموا به كلَّ شيء؟ أم لتهملوه كأنَّه لا شيء؟ {إنَّ اللهَ لا يَظلم النّاس شيئاً ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون}.
"يا قوم: شفاكم الله، قد ينفع اليوم الإنذار واللوم، وأما غداً إذا حلَّ القضاء، فلا يبقى لكم غير النّدب والبكاء. فإلى متى هذا التخادع والتخاذل؟ وإلى متى هذا الإهمال؟ هل طاب لكم النوم على الوسادة اللينة، وسادة الخمول؟ أم طاب لكم السكون وتودُّون لو تسكنون القبور؟ أم عاهدتم أنفسكم أن تصلوا غفلة الحياة بالممات، فلا تفيقوا من السُّبات قبل صباح يوم النشور، يوم تعلو السيوف رقابكم وتصمي المدافع آذانكم فتمسون الأذلاّء حقاً، وحقَّ لكم أن تذلوا؟ ".
"يا قومُ: رحمكم الله، ما هذا الحرص على حياةٍ تعيسةٍ دنيئة لا تملكونها

الصفحة 141