كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

التي ليس فيها ترويض، والسُّكر المعطِّل عن العمل عقلاً وجسماً، والمقامرة والرِّبا لأنهما ليسا من نوع العمل والتبادل فيه. وقد فضَّل الله الكنَّاس على الحجَّام وصانع الخبز على ناظم الشِّعر؛ لأنَّ صنعتهما أنفع للجمهور.
وقد يبلغ ترقّي التركيب في الأمم درجة أنْ يصير كلُّ فردٍ من الأمَّة مالكاً لنفسه تماماً، ومملوكاً لقومه تماماً. فالأمَّة التي يكون كلُّ فردٍ منها مستعداً لافتدائها بروحه وبماله، تصير تلك الأمَّة بحجَّة هذا الاستعداد في الأفراد، غنية عن أرواحهم وأموالهم.
الترقّي في القوة بالعلم والمال يتميَّز على باقي أنواع الترقّيات السالفة البيان تميُّز الرأس على باقي أعضاء الجسم، فكما أنَّ الرأس بإحرازه مركزية العقل، ومركزية أكثر الحواس، تميّز على باقي الأعضاء واستخدمها في حاجاته، فكذلك الحكومات المنتظم يترقّى أفرادها ومجموعها في العلم والثروة، فيكون لهم سلطانٌ طبيعي على الأفراد أو الأمم التي انحطَّ بها الاستبداد المشؤوم إلى حضيض الجهل والفقر.
بقي علينا بحث الترقّي في الكمالات بالخصال والأثرة، وبحث الترقّي الذي يتعلق بالروح؛ أي بما وراء هذه الحياة، ويرقى إليه الإنسان على سُلَّم الرَّحمة والحسنات، فهذه أبحاث طويلة الذيل، ومنابعها حكميات الكتب السماوية ومدوِّنات الأخلاق، وتراجم مشاهير الأمم.
وأكتفي بالقول في هذا النوع: إنَّه يبلغ بالإنسان مرتبة أن لا يرى

الصفحة 161