كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

أحدهم فلا يوقعه إلا بغتة.
لمثيري الخواطر على الاستبداد طرائق شتّى يسلكونها بالسّرّ، والبطء، يستقرّون تحت ستار الدين، فيستنبتون غابة الثورة من بذرة أو بذورات يسقونها بدموعهم في الخلوات. وكم يلهون المستبدَّ بسوقه إلى الاشتغال بالفسوق والشَّهوات، وكم يغرونه برضاء الأمَّة عنه، ويجسِّرونه على مزيد التشديد، وكم يحملونه على إساءة التدبير، ويكتمونه الرُّشد، وكم يشوِّشون فكره بإرباكه مع جيرانه وأقرانه. يفعلون ذلك وأمثاله لأجل غاية واحدة، هي إبعاده عن الانتباه إلى سدِّ الطريق التي فيها يسلكون، أمَّا أعوانه، فلا وسيلة لإغفالهم عن إيقاظه غير تحريك أطماعهم المالية مع تركهم ينهبون ما شاؤوا أن ينهبوا.
ومبنى قاعدة أنَّه يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ماذا يُستبدل به الاستبداد هو: إنَّ معرفة الغاية شرطٌ طبيعي للإقدام على كلِّ عمل، كما أنَّ معرفة الغاية لا تفيد شيئاً إذا جهل الطريق الموصل إليها، والمعرفة الإجمالية في هذا الباب لا تكفي مطلقاً، بل لا بدَّ من تعيين المطلب والخطة تعييناً واضحاً موافقاً لرأيِّ الكلِّ، أو الأكثرية التي هي فوق الثلاثة أرباع عدداً أو قوة بأس وإلا فلا يتمّ الأمر، حيث إذا كانت الغاية مبهمة نوعاً، يكون الإقدام ناقصاً نوعاً، وإذا كانت مجهولة بالكليّة عند قسم من الناس أو مخالفة لرأيهم،

الصفحة 182