كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

الإمكان لعملوا وفعلوا وافتدوا الأمة بأموالهم، بل وحياتهم، فكيف - والحالة هذه- يكون هؤلاء لؤماء؟ بل كيف ذلك وقد وُجِد منهم الذين خاطروا بأنفسهم والذين أقدموا فعلاً على مقاومة الاستبداد فنالوا المراد أو بعضه أو هلكوا دونه؟
فجواب ذلك أنّ المستبدَّ لا يخرج قطّ عن أنّه خائنٌ خائفٌ محتاجٌ لعصابة تعينه وتحميه، فهو ووزراؤه كزمرة لصوص: رئيس وأعوان. فهل يجوِّز العقل أن يُنتخب رفاق من غير أهل الوفاق، وهو هو الذي لا يستوزر إلا بعد تجربة واختبار عمراً طويلاً؟!
هل يمكن أن يكون الوزير متخلِّقاً بالخير حقيقة، وبالشَّرِّ ظاهراً فيخدع المستبدّ بأعماله، ولا يخاف من أنَّه كما نصبه وأعزَّه بكلمة يعزله ويذلّه؟!
بناءً عليه، فالمستبدّ وهو من لا يجهل أنَّ الناس أعداؤه لظلمه، لا يأمن على بابه إلا من يثق به أنَّه أظلم منه للناس، وأبعد منه على أعدائه، وأما تلوُّم بعض الوزراء على لوم المستبدّ فهو إن لم يكن خداعاً للأمة فهو حنقٌ على المستبدّ؛ لأنه بخس ذلك المتلوّم حقه، فقدَّم عليه من هو دونه في خدمته بتضحية دينه ووجدانه. وكذلك لا يكون الوزير أميناً من صولة المستبدّ في صحبته ما لم يسبق بينهما وفاق واتِّفاق على خيرة الشيطان؛ لأن الوزير محسودٌ بالطبع، يتوقّع له المزاحمون كلَّ شرّ، ويبغضه الناس ولو تبعاً لظالمهم، وهو هدفٌ في كلِّ ساعةٍ للشكايات والوشايات. كيف يكون عند الوزير شيءٌ من التقّوى أو الحياء أو العدل أو الحكمة أو المروءة أو الشّفقة على الأمة، وهو العالم بأنَّ

الصفحة 70