كتاب رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم

وقرأ الباقون {الْعَفْوَ} بالنصب1؛ وذلك لأنهم جعلوا {مَاذَا} اسمًا واحدًا في قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} فهو مثل قولك: ما ينفقون، فماذا على هذا في موضع النصب بأنه مفعول {يُنْفِقُونَ} ، كما تقول: ويسألونك أي شيء ينفقون؟ فقوله تعالى: {الْعَفْوَ} بالنصب جواب {مَاذَا يُنْفِقُونَ} وهو في موضع نصب، فجوابه أيضًا نصب، كأنه قال: ينفقون العفو2.
- "حتى يطَّهَّرن" [آية: 222] :
بفتح الطاء والهاء وتشديدهما، قرأها حمزة والكسائي وعاصم ياش3؛ لأنّ معناه: حتى يتطهرن بالماء وأراد الاغتسال؛ لأنهن ما لم يغتسلن فهُنّ في حكم الحُيّض في كثير من الأشياء، ويؤيد ذلك أنهم أجمعوا على {تَطَهَّرْنَ} في قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 4، فكما أن ذلك لا يكون إلاّ الاغتسال، فكذلك ينبغي أن يكون معنى هذا أيضًا.
وقرأ الباقون {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بسكون الطاء وضم الهاء5، ومعناه: حتى ينقطع دم حيضهن، ويجوز أن يكون {يَطْهُرْنَ} أيضًا بمعنى "يَطَّهَّرْن" لأنهن إِنما يطهرنَ طهرًا تامًّا إذا اغتسلْن6.
- "وَلَوْلا دفِاعُ اللهِ النّاسَ" [آية: 251] :
بالألف قرأها نافع ويعقوب7، وذلك أنه يجوز أن يكون مصدرًا لفَعَلَ نحو: كَتَب كتابًا، ويجوز أن يكون مصدرًا لفاعَلَ, كقاتل قتالًا، يدلّ على ذلك قراءة من قرأ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} 8، وليس فاعَل ههنا مما يكون الفعل فيه من اثنين، لكن دَفَع ودافَع بمعنى واحد.
__________
1 المصادر السابقة.
2 حجة أبي علي 2/ 316-321، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 260، وحجة ابن خالويه: 96، وحجة أبي زرعة: 133 و134، والكشف: 1/ 292 و293، والإتحاف: 57.
3 السبعة: 182, التيسير: 80، النشر: 2/ 227.
4 الآية نفسها 222/ البقرة.
5 انظر مصادر القراءة الأولى.
6 حجة أبي علي 2/ 321، وحجة ابن خالويه: 96، وحجة أبي زرعة: 134 و135، والكشف: 1/ 293 و294، والإتحاف: 157.
7 السبعة: 187، التيسير: 82، النشر: 2/ 230.
8 38/ الحج، قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: "إِن الله يَدْفَعُ" بفتح الياء والفاء وإسكان الدال من غير ألف، وقرأ باقي القراء العشرة بضم الياء وفتح الدال وألف بعدها مع كسر الفاء "النشر 2/ 326".

الصفحة 40