كتاب الآثار المروية في صفة المعية

بالله عزوجل وهم الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، وهم الحلولية من الجهمية ومن نحا نحوهم.
فقال رحمه الله تعالى: "ولم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله واطلاعه على عباده وإحاطته بهم وقربه من عابديه وإجابته لدعائهم، فيزدادون به خشية لله وتعظيماً وإجلالاً ومهابة ومراقبة واستحياء ويعبدونه كأنهم يرونه، ثم حدث بعدهم من قل ورعه وانتكس فهمه وقصده، وضعفت عظمة الله وهيبته في صدره وأراد أن يرى الناس امتيازه عليهم بدقة الفهم وقوة النظر، فزعم أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان كما حكى ذلك طوائف من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم، تعالى عما يقولون علواً كبيراً.
وهذا شئ ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة رضي الله عنهم، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منهم في حديث عائشة المتفق عليه.
وتعلقوا أيضاً بما فهموه بفهمهم القاصر مع قصدهم الفاسد بآيات في كتاب الله تعالى مثل قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وقوله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}
فقال من قال من علماء السلف حينئذ إنما أراد أنه معهم بعلمه وقصدوا بذلك إبطال ما قال أولئك مما لم يكن أحد قبلهم قاله ولا فهمه من القرآن.
وحكى ابن عبد البر وغيره إجماع العلماء من الصحابة والتابعين في تأويل قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} أن المراد علمه، وكل هذا قصدوا به

الصفحة 55