كتاب هدم المنارة لمن صحح أحاديث التوسل والزيارة

مني التفاتة، فإذا أنا بأسود عليه خلقان مؤتزر بأحدهما مرتديًا بالآخر، وهو يقول:
إلهي وسيدي، أخلقت الوجوه عندك كثرة الذنوب ومساوئ الأعمال، فمنعتنا قطر السماء، تؤدب الخليقة بذلك، فأقسمت عليك بحقي عليك إلَّا أسقيتنا الغيث الساعة الساعة، فما استتم كلامه حتى غشينا السحاب، وأخذنا القطر من كلّ جانب، وجلس يدعو، وجلست أبكي نحوه حتى انصرف .... وذكر قصة طويلة.
قلت: وهذه الحكاية على اشتهارها على ألسنة النّاس إلَّا أنَّها مجهولة السند، فإن راويها عن ابن المبارك، ومن رواه عنه لَمْ أجد لهما تراجم، وفيها نكارة، لا سيما إقسام العبد على الله تعالى بحقه ففيه من سوء الأدب ما يستحيل معه التصديق أن من في مثل علم ابن المبارك وورعه يسكت عنه، ولا يعنفه عليه، بل يشتريه ليعتقه ويخدمه، وابن المبارك من أصحاب أبي حنيفة، وقد أخذ عنه، وتلقى منه، ومذهب أبي حنيفة في هذا الباب مشهور معلوم، وقد تقدَّم بيانه، فلا أظن أن يقر ابن المبارك هذا العبد على خطئه.
(٨) الرواية في ذلك عن الإِمام مالك:
وأخرج القاضي عياض في "الشفا" (٢/ ٥٩٥):

الصفحة 61