كتاب منطلقات طالب العلم

قال الإمامُ الطحاويُّ -رحمه الله-: وعلماءُ السلفِ من السابقين ومَنْ بعدَهم من التابعين أهلُ الخبرِ والأثرِ، وأهلُ الفقهِ والنظرِ، لا يُذكرون إلا بالجميلِ، ومَن ذكَرهم بسوءٍ فهو على غيرِ السبيلِ (¬1).
وموالاةُ العلماءِ لا تعني التعصبَ لذواتِهم أو آرائِهم -كما تقدم بيانه- فالمسلمُ الحق مَنْ لا يجعلُ الموالاةَ والمعاداةَ على أساسٍ غيرِ الكتابِ والسُّنةِ، أمَّا الغلو فإنه شِيمَةُ أهلِ الأهواءِ والجُهَّالِ.
حَجَّ بشرٌ المريسيُّ المبتدعُ، فلما قَدِم قال: رأيتُ بالحجازِ رجلًا ما رأيتُ مثلَه سائلًا ولا مجيبًا -يعني الشافعي- قال: فقدم علينا، فاجتمع إليه النَّاسُ وخَفُّوا عن بشرٍ، فلمَّا قدم النَّاسُ لبشرٍ يخبرونه بشأنِ الشافعيِّ وشدتِه عليه قال: قد تغير عمَّا كان عليه. فهكذا أحبَّ لهواه وأَبْغَضَ لهواه (¬2).

القاعدةُ الثانيةُ: احترامُ العلماءِ وتقديرُهم:
قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ مِنْ أمَّتي من لمْ يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغَيرنَا، ويعرفْ لعالمنِا حَقَّه" (¬3).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ من إجلالِ الله إكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ، وحاملِ القرآنِ غير الغَالي فيه والجافي عَنْه، وإكرامَ ذي السُّلطانِ المُقْسِطِ" (¬4)
¬__________
(¬1) "شرح العقيدة الطحاوية" (2/ 740).
(¬2) انظر هذه القصة في "تاريخ بغداد" (2/ 65).
(¬3) أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (5/ 323)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 211)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5319).
(¬4) أخرجه أبو داود (4843)، ك: الأدب، باب: في تنزيل الناس منازلهم.

الصفحة 284