كتاب التدرج في دعوة النبي

جاءه عتبة بن ربيعة لمفاوضته صلى الله عليه وسلم هيأ نفسه للسماع أولا بقوله: «قد فرغت يا أبا الوليد. . " قال: نعم، فقال: " يابن أخي فاسمع» (¬1) .
ولا يخفى على أحد ما في هذه الملاطفة والتكنية من تهيئة للنفس للسماع، وحين اتكأ عتبة على يديه وقال: أسمع، أسمعه صلى الله عليه وسلم صدرًا من سورة فصلت (¬2) .
ونجد مصعب بن عمير وهو مبعوثه صلى الله عليه وسلم للدعوة، يبدأ بتهيئة نفوس مدعويه للسماع، فحينما جاءه كل من زعيمي بني عبد الأشهل، أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما كان يبدؤهما بعرض السماع أولا فيقول: " أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكرهه " (¬3) .
وبهذه الملاطفة والعرض المنصف هيأ نفسيهما للسماع، فلما سمعا أسلما، وأسلم أقوامهما (¬4) .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يهيئ نفوس أصحابه للسماع فقد روى البخاري عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «استنصت الناس " فقال: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (¬5) .
¬_________
(¬1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 15 / 338.
(¬2) انظر: المرجع السابق 5 / 338، 339.
(¬3) ابن هشام، السيرة النبوية 2 / 59.
(¬4) انظر: المرجع السابق 2 / 60.
(¬5) البخاري، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء (ك 3 / ح 121) 1 / 56.

الصفحة 126