كتاب التدرج في دعوة النبي

أي أنزلناه شيئًا بعد شيء، ونجمًا بعد نجم، ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا (¬1) .
يقول الفخر الرازي: " لو أنزل الكتاب جملة واحدة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة واحدة على الخلق، فكان يثقل عليهم ذلك، أما لو نزل مفرقًا منجمًا، لا جرم نزلت التكاليف قليلًا قليلًا فكان تحملها أسهل " (¬2) .
ومن أول من أشار إلى الحكمة من التدرج في التشريع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حيث تقول: ". . . إنما نزل أوَّل ما نزل منه - أي القرآن - سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا. . . . " (¬3) . وقد بيَّن ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث الحكمة من هذا التدرُّج فقال: " أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب النزول، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة، وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا قالت: " ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها " وذلك لما طبعت عليه
¬_________
(¬1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 340.
(¬2) الفخر الرازي، التفسير الكبير، 24 / 79.
(¬3) البخاري، صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن، (ك 69، ح 4707) 4 / 1910.

الصفحة 26