كتاب التدرج في دعوة النبي
النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من كمال حكمته صلى الله عليه وسلم أن أحسن استقبال تلك الوفود، وتلطف في دعوتهم، وعلمهم أمور دينهم، ثم كلفهم دعوة من وراءهم، فكانوا وسيلته صلى الله عليه وسلم في تبليغ أقوامهم.
فقد كلف صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس حفظ ما علمهم به من أمور الدين، وإخبار من ورائهم، فقال: «احفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم» (¬1) وقوله: «من وراءكم» يشمل من جاءوا من عندهم باعتبار المكان، ويشمل أولادهم وأحفادهم باعتبار الزمان (¬2) وكانت وفادة هذا الوفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية سنة الوفود (¬3) .
وقد أورد البخاري قصة وفد بني تميم وقدوم الأشعريين وأهل اليمن، وقصة وفد طيء، وحديث عدي بن حاتم، وكل هؤلاء وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سنة الوفود (¬4) فأحسن استقبالهم، وعلّمهم، وبعثهم دعاة إلى أقوامهم وقد فصّلت كتب السير في الوفود الذين وفدوا عليه صلى الله عليه وسلم وكيف اتّخذ صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الوفود وسيلة بلاغية تعليمية.
مما يدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري عن مالك بن الحويرث قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان
¬_________
(¬1) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان (ك 2 ح 53) 1 29.
(¬2) انظر: ابن حجر، فتح الباري 1 / 183.
(¬3) انظر: ابن حجر (المرجع السابق) 8 / 417.
(¬4) انظر: ابن حجر، (المرجع السابق) 8 / 432.
الصفحة 67
168