كتاب التدرج في دعوة النبي

رحيمًا رفيقًا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» . ففي هذا الحديث دلالة صريحة على اتخاذه صلى الله عليه وسلم هؤلاء الوفد وسيلة تعليمية حيث كلفهم بتعليم أهاليهم فقال: «فكونوا فيهم وعلموهم» .
ثانيا: البعوث: بعث صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة عددًا من فقهاء أصحابه إلى شتى الجهات، وخاصة جنوب الجزيرة، للقيام بمهمة تعليم الناس أمور دينهم، حيث أصبحت الحاجة ماسة إلى معلمين ودعاة (¬1) من هؤلاء الدعاة أبو عبيدة بن الجراح، فقد بعثه صلى الله عليه وسلم مع وفد أهل نجران كما روى ذلك البخاري، عن حذيفة رضي الله عنه قال: «جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ابعث لنا رجلًا أمينًا، فقال: " لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حق أمين " فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح» (¬2) فبعثه صلى الله عليه وسلم مبلِّغًا ومعلمًا، يقول ابن حجر " وفيه بعث الإمام الرجل الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام " (¬3) .
وروى البخاري أيضا، عن أبي بردة قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال:
¬_________
(¬1) انظر: د. محمد سعيد البوطي، فقه السيرة النبوية، ص 471.
(¬2) البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب قصة أهل نجران (ك 67 ح 4119) 4 / 1592.
(¬3) ابن حجر، فتح الباري 8 / 429.

الصفحة 68