كتاب التدرج في دعوة النبي
[المبحث الأول أسلوب العرض]
المبحث الأول
أسلوب العرض ابتدأ صلى الله عليه وسلم بعرض دعوته بالحكمة والقول اللين، وإقامة الدليل على صدق رسالته، وما جاء به، مكتفيًا بالعرض اللطيف، مقتديا بهدي إخوانه من الرسل عليهم السلام، فقد قال سبحانه مخاطبا موسى وهارون، وقد بعثهما إلى فرعون طاغية الأرض في زمانه {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] (¬1) وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113] (¬2) فجعل المطلوب أحد الأمرين إما التقوى أو التذكر (¬3) لذا كانت سمة هذه الفترة في دعوته صلى الله عليه وسلم العرض بالحكمة واللين لما في ذلك من التأثير في الإجابة (¬4) ممتثلا قول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] (¬5) فأمر الله رسوله أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف وهو أن يسمع المدعو حكمة وهو الكلام الصواب القريب الواقع من النفس أجمل موقع (¬6) وهذه الطرق
¬_________
(¬1) سورة طه، الآية: 44.
(¬2) سورة طه، الآية: 113.
(¬3) انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى 15 / 239.
(¬4) انظر: الشوكاني، فتح القدير 3 / 366.
(¬5) سورة النحل، الآية: 125.
(¬6) أبو حيان الأندلسي، تفسير البحر المحيط، 5 / 549.
الصفحة 73
168