كتاب التدرج في دعوة النبي

ثانيًا: إلزام اليهود: اتسمت سيرة اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعداوة الشديدة ونكث العهود، فقابلوا الإحسان بالإساءة، وحاربوا الدعوة الإسلامية حربا لا هوادة فيها، وهموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو في دارهم، وسعوا في الإفساد بين المسلمين (¬1) وبذلوا الكثير في دعم النفاق وأهله، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن أمرهم بالجلاء إن لم يستجيبوا لهذا الدين، فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن في المسجد خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " انطلقوا إلى يهود " فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس، فقال: أسلموا تسلموا، واعلموا أن الأرض لله ورسوله، إني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئًا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله» (¬2) وروى مسلم عن ابن عمر «أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا أن بعضهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم: بني قينقاع (وهم قوم عبد الله بن سلام) ، ويهود بني حارثة، وكل يهودي كان بالمدينة» (¬3) أجلاهم لأنهم حاربوه صلى الله عليه وسلم فتحولوا من معاهدين إلى
¬_________
(¬1) انظر: أبو شهبة، السيرة النبوية 2 / 389.
(¬2) البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب (ك 62 ح 2996) 3 / 1155.
(¬3) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب إجلاء اليهود من الحجاز (ك 32 ح 1766) 3 / 1387، 1388.

الصفحة 88